فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحكى الأخفش طَفَق يَطْفِق؛ مثل ضرب يضرب.
يقال: طفِق، أي أخذ في الفعل.
{يَخْصِفَانِ} وقرأ الحسن بكسر الخاء وشدّ الصاد.
والأصل يَخْتَصِفَانِ فأدغم، وكسر الخاء لالتقاء الساكنين.
وقرأ ابن بريدة ويعقوب بفتح الخاء، ألقيا حركة التاء عليها.
ويجوز يُخصِّفانِ بضم الياء، من خَصَّف يخصِّف.
وقرأ الزهِريّ {يُخصِفَانِ} من أخْصَف.
وكلاهما منقول بالهمزة أو التضعيف والمعنى: يقطعان الورق ويلزقانه ليستترا به، ومنه خَصَف النعل.
والخصَّاف الذي يرقِّعها.
والمِخْصف المِثْقب.
قال ابن عباس: هو ورق التين.
ويروى أن آدم عليه السلام لما بدت سوأته وظهرت عورته طاف على أشجار الجنة يَسُلّ منها ورقة يغطي بها عورته؛ فزجرته أشجار الجنة حتى رحمته شجرة التِّين فأعطته ورقة.
ف {طَفِقَا} يعني آدم وحواء {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} فكافأ الله التين بأن سوى ظاهره وباطنه في الحلاوة والمنفعة، وأعطاه ثمرتين في عام واحد مرتين.
الثالثة وفي الآية دليل على قبح كشف العورة، وأنّ الله أوجب عليهما الستر؛ ولذلك ابتدرا إلى سترها، ولا يمتنع أن يؤمرا بذلك في الجنة؛ كما قيل لهما {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَجَرَة}.
وقد حكى صاحب البيان عن الشافعيّ أن من لم يجد ما يستر به عورته إلا ورق الشجر لزمه أن يستتر بذلك؛ لأنه سترة ظاهرة يمكنه التستر بها؛ كما فعل آدم في الجنة. والله أعلم.
قوله تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشيطآن لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} أي قال لهما: ألم أنهكما. اهـ.

.قال الخازن:

{فدلاهما بغرور} يعني فخدعهما بغرور يقال من زال فلان يدلي فلانًا بغرور يعني ما زال يخدعه ويكلمه بزخرف من القول الباطل.
قال الأزهري وأصله ان الرجل العطشان يتدلى في البئر ليأخذ الماء فلا يجد فيها ماء فوضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه والغرور إظهار النصح مع إبطان الغش وهو أن إبليس حطهما من منزلة الطاعة إلى حالة المعصية لأن التدلي لا يكون إلا من علو إلى أسفل.
ومعنى الآية أن إبليس لعنه الله تعالى غر آدم باليمين الكاذبة وكان آدم عليه الصلاة والسلام يظن أن أحدًا لا يحلف بالله كاذبًا وإبليس أول من حلف بالله كاذبًا فلما حلف إبليس ظن آدم أنه صادق فاغتر به {فلما ذاقا الشجرة} يعني: طعما من ثمرة الشجرة وفيها دليل على أنهما تناولا اليسير من ذلك قصد إلى معرفة طعمه لأن الذوق يدل على الأكل اليسير {بدت لهما سوءاتهما} يعني: ظهرت لهما عوراتهما قال ابن عباس رضي الله عنهما: قبل أن ازدردا أخذتهما العقوبة والعقوبة أن ظهرت وبدت لهما سوآتهما وتهافت عنهما لبسهما حتى أبصر كل واحد منهما ما ووري عنه من عورة صاحبه وكانا لا يريان ذلك.
وقال وهب: كان لباسهما من النور لا يرى هذا عورة هذه ولا هذه عورة هذا فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوآتهما وقال قتادة: كان لباس آدم في الجنة ظفرًا كله فلما وقع في الذنب قشط عنه وبدت سوأته {وطفقا} يعني وأقبلا وجعلا {يخصفان عليهما من ورق الجنة} يعني أنهما لما بدت لهما سوآتهما جعلا يرقعان ويلزقان عليهما من ورق الجنة وهو ورق التين حتى صار كهيئة الثوب.
وقال الزجاج: جعلا ورقة على ورقة ليسترا سوآتهما وفي الآية دليل على أن كشف العورة من ابن آدم قبيح ألا ترى أنهما بادرا إلى ستر العورة لما تقرر في عقلهما من قبيح كشفها.
روى أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «كان آدم صلى الله عليه وسلم رجلًا طويلًا كأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس فلما وقع في الخطيئة بدت ل سوأته وكان لا يراها في الجنة فانطلق فارًّا فعرضت له شجرة من شجرة الجنة فحبسته بشعره فقال لها أرسليني قالت لست بمرسلتك فناداه ربه يا آدم أمنّي تفر قال لا يا رب ولكني استحييتك».
ذكره البغوي بغير سند وأسنده الطبري من طريقين موقوفًا ومرفوعًا.
قوله تعالى: {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} يعني أن الله تعالى نادى آدم وحواء وخاطبهما فقال: ألم أنهكما عن أكل ثمرة هذه الشجرة {وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} يعني أعلمكما أن الشيطان قد بانت عداوته لكما بترك السجود حسدًا وبغيًا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني.
قال فأني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرهًا ولا تضع إلا كرهًا قال فرنت حواء عند ذلك رنة فقيل لها الرنة عليك وعلى بناتك وقال محمد بن قيس: ناداه ربه يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك قال أطعمتني حواء فقال لحواء لم أطعمتيه قالت أمرتني الحية فقال للحية لم أمرتها قالت أمرني إبليس قال الله تعالى: أما أنت يا حواء فكما أدميت الشجرة تدمين كل شهر وأما أنت يا حية فأنطع رجليك فتمشين على وجهك وسيشدخ رأسك من لقيك وأما أنت يا إبليس فملعون مطرود مدحور يعني عن الرحمة.
وقيل ناداه ربه يا آدم أما خلقتك بيدي أما نفخت فيك من روحي أما أسجدت لك ملائكتي أما أسكنتك جنتي في جواري. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فدلاّهما بغرور} أي استنزلهما إلى الأكل من الشجرة بغروره أي بخداعه إياهما وإظهار النّصح وإبطان الغش وإطماعهما أن يكونا ملكين أو خالدين وبإقسامه أنه ناصح لهما جعل من يغترّ بالكلام حتى يصدق فيقع في مصيبة بالذي يدلي من علو إلى أسفل بحبل ضعيف فينقطع به فيهلك، وقال الأزهري: لهذه الكلمة أصلان أحدهما أنّ الرجل يدلي دلوه في البئر ليأخذ المائ فلا يجد فيها ماء، وضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه فيقال: دلاّه أي أطمعه الثاني جرأهما على أكل الشجرة والأصل فيه دللهما من الدّال والدّلالة وهما الجراءة انتهى، فأبدل من المضاعف الأخير حرف علة، كما قالوا: تظنيت وأصله تظننت ومن كلام بعض العلماء: خدع الشيطان آدم فانخدع ونحن من خدعنا بالله عزّ وجل انخدعنا له وروى نحوه عن قتادة وعن ابن عمر.
{فلما ذاقا الشجرة بدت لهما} أي وجدا طعمها آكلين منها كما قال تعالى: {فأكلا منها} وتطايرت عنهما ملابس الجنة فظهرت لهما عوراتهما وتقدّم أنهما كانا قبل ذلك لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر، وقال ابن عباس وقتادة وابن جبير: كان عليهما ظفر كاسٍ فلما أكلا تبلس عنهما فبدت سوآتهما وبقي منه على الأصابع قدر ما يتذكران به المخالفة فيجددان النّدم، وقال وهب بن منبه: كان عليهما نور يستر عورة كلّ واحد منهما فانقشع بالأكل ذلك النور وقيل كان عليهما نور فنقص وتجسّد منه شيء في أظفار اليدين والرجلين تذكرة لهما ليستغفروا في كلّ وقت وأبناؤهما بعدهما كما جرى لأويس القرني حين أذهب الله عنه البرص إلا لمعة أبقاها ليتذكر نعمه فيشكر.
وقال قوم: لم يقصد بالسوأة العورة والمعنى انكشف لهما معايشهما وما يسوؤهما وهذا القول ينبو عنه دلالة اللفظ ويخالف قول الجمهور، وقيل: أكلت حواء أوّل فلم يصبها شيء ثم آدم فكان البدو.
{وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} أي جعلا يلصقان ورقة على ورقة ويلصقانهما بعدما كانت كساهما حلل الجنة ظلا يستتران بالورق كما قيل:
لله درّهم من فتية بكروا ** مثل الملوك وراحوا كالمساكين

والأولى أن يعود الضمير في {عليهما} على عورتيهما كأنه قيل {يخصفان} على سوآتهما من ورق الجنة، وعاد بضمير الاثنين لأن الجمع يراد به اثنان ولا يجوز أن يعود الضمير على آدم وحواء لأنه تقرر في علم العربية أنه لا يتعدى فعل الظاهر والمضمر المتصل إلى المضمر المتصل المنصوب لفظًا أو محلًا في غير باب ظنّ وفقد وعلم ووجد لا يجوز زيد ضربه ولا ضربه زيد ولا زيد مر به زيد فلو جعلنا الضمير في {عليهما} عائدًا على آدم وحواء للزم من ذلك تعدّى يخصف إلى الضمير المنصوب محلًا وقد رفع الضمير المتصل وهو الألف في يخصفان فإن أخذ ذلك على حذف مضاف مراد جاز ذلك وتقديره يخصفان على بدنيهما، قال ابن عباس: الورق الذي خصفا منه ورق الزيتون، وقيل: ورق شجر التين، وقيل: ورق الموز ولم يثبت تعيينها لا في القرآن ولا في حديث صحيح، وقرأ أبو السّمال {وطفقا} بفتح الفاء، وقرأ الزهري {يخصفان} من أخصف فيحتمل أن يكون أفعل بمعنى فعل ويحتمل أن تكون الهمزة للتعدية من خصف أي يخصفان أنفسهما، وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وابن وثاب {يخصفان} بفتح الياء وكسر الخاء والصاد وشدّها، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب كذلك إلا أنه فتح الخاء، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب، وقرئ {يخصفان} بالتشديد من خصف على وزن فعل، وقرأ عبد الله بن يزيد {يخصفان} بضمّ الياء والخاء وتشديد الصاد وكسرها وتقرير هذه القراءات في علم العربية.
{وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إنّ الشيطَان لكما عدوّ مبين} لما كان وقت الهناء شرّف بالتصريح باسمه في النداء فقيل ويا آدم اسكن وحين كان وقت العتاب أخبر أنه ناداه ولم يصرّح باسمه والظاهر أنه تعالى كلمهما بلا واسطة ويدلّ على أن الله كلم آدم ما في تاريخ ابن أبي خيثمة أنه عليه السلام سئل عن آدم فقال: نبيّ مكلم، وقال الجمهور: إنّ النداء كان بواسطة الوحي ويؤيده أنّ موسى عليه السلام هو الذي خصّ من بين العالم بالكلام وفي حديث الشفاعة أنهم يقولون له أنت الذي خصّك الله بكلامه وقد يقال: إنه خصه بكلامه وهو في الأرض وأما آدم فكان ذلك له في الجنة وقد تقدّم لنا في قوله منهم من كلم الله إنّ منهم محمدًا كلّمه الله ليلة الإسراء ولم يكلمه في الأرض فيكون موسى مختصًّا بكلامه في الأرض، وقيل: النداء لآدم على الحقيقة ولم يرو قط أنّ الله كلم حواء والنداء هو دعاء الشّخص باسمه العلم أو بنوعه أو بوصفه ولم يصرّح هنا بشيء من ذلك والجملة معمولة لقول محذوف أي قائلًا: ألم أنهكما وهو استفهام معناه العتاب على ما صدر منهما والتنبيه على موضع الغفلة في قوله: {تلكما الشجرة ولا تقربا هذه الشجرة} إشارة لطيفة حيث كان مباحًا له الأكل قارًا ساكنًا أشير إلى الشجرة باللفظ الدّال على القرب والتمكّن من الأشجار فقيل: {ولا تقربا هذه الشجرة} وحيث كان تعاطى مخالفة النهي وقرب إخراجه من الجنة واضطراب حاله فيها وفرّ على وجهه فيها قيل: ألم أنهكما عن تلكما فأشير إلى الشجرة باللفظ الدّال على البعد والإنذار بالخروج منها {وأقلّ لكما} إشارة إلى قوله تعالى: {فقلنا يا آدم أنّ لا هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من يحمل النسيان على بابه.
قال ابن عباس بين العداوة حيث أبي السّجود وقال: {لاقعدن لهم صراطك المستقيم} روى أنه تعالى قال لآدم: ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال بلى وعزّتك ولكن ما ظننت أن أحدًا من خلقك يحلف كاذبًا قال فوعزّتي لأهبطنّك إلى الأرض ثم لا تنال إلا كدًّا فاهبط وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد ودرس وذرّى وعجن وخبز، وقرأ أبيّ ألم تنهيا عن تلكما الشجرة وقيل لكما. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فدلاهما} فنزّلهما على الأكل من الشجرة، وفيه تنبيهٌ على أنه أهبطهما بذلك من درجة عاليةٍ فإن التدليةَ والإدلأَ إرسالُ الشيء من الأعلى إلى الأسفل {بِغُرُورٍ} بما غرّهما به من القسم، فإنهما ظنا أن أحدًا لا يُقسِم بالله كاذبًا أو ملتبسين الغرور {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا} أي فلما وجدا طعمَها آخِذَين في الأكل منها أخذْتهما العقوبةُ وشؤمُ المعصية فتهافت عنهما لباسُهما وظهرت لهما عوراتُهما، واختلف في أن الشجرة كانت السنبلةَ أو الكرْمَ أو غيرَهما وأن اللباسَ كان نورًا أو ظفرًا {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} طفِق من أفعال الشروعِ والتلبس كأخذ وجعل وأنشأ وعلِق وهَبْ وانبرى أي أخذا يَرْقعَان ويُلزِقان ورقةً فوق ورقة {عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} قيل: كان ذلك ورقَ التينِ وقرئ {يُخصِفان} من أخصف أي يخصفان أنفسَهما ويُخَصِّفان من التخصيف ويَخِصّفان أصله يختصفان.
{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} مالكُ أمرِهما بطريق العتاب والتوبيخِ {أَلَمْ أَنْهَكُمَا} وهو تفسيرٌ للنداء فلا محل له من الإعراب أو معمولٌ لقول محذوفٍ أي وقال أو قائلًا: ألم أنهَكُما؟ {عَن تِلْكُمَا الشجرة} ما في اسم الإشارةِ من معنى البُعد لما أنه إشارةٌ إلى الشجرة التي نُهي عن قُربانها {وَأَقُل لَّكُمَا} عطفٌ على أنهَكما أي ألم أقل لكما: {إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} وهذا عتابٌ وتوبيخٌ على الاغترار بقول العدوِّ كما أن الأولَ عتابٌ على مخالفة النهي، قيل: فيه دليلٌ على أن مطلقَ النهي للتحريم، ولكما متعلقٌ بعدو لما فيه من معنى الفعل أو بمحذوف هو حالٌ من عدوٌّ، ولم يُحك هذا القولُ هاهنا، وقد حُكي في سورة طه بقوله تعالى: {إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} الآية. روي أنه تعالى قال لآدمَ: ألم يكنْ فيما منحتُك من شجر الجنة مندوحةٌ عن هذه الشجرة؟ فقال: بلى، وعزتك ولكن ما ظننتُ أن أحدًا من خلقك يحلِفُ بك كاذبًا، قال: فبعزتي لأُهبِطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيشَ إلا كدًّا فأُهبط وعُلّم صنعةَ الحديد وأُمر بالحَرْثِ فحرَثَ وسقَى وحصَد وداس وذرَى وعجَن وخَبَز. اهـ.